فصل: قال النسفي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قوله: {قل إنما أعظكم} أي آمركم وأوصيكم {بواحدة} أي بخصلة واحدة ثم بين تلك الخصلة فقال تعالى: {أن تقوموا لله} أي لأجل الله {مثنى} أي اثنين {وفرادى} أي واحدًا واحدًا {ثم تتفكروا} أي تجتعوا جميعًا فتنظروا وتتحاوروا وتتفكروا في حال محمد صلى الله عليه وسلم فتعلموا أن {ما بصاحبكم من جنة} ومعنى الآية إنما أعظكم بواحدة إن فعلتموها أصبتم الحق وتخلصتم وهي أن تقوموا لله وليس المراد به القيام على القدمين ولكن هو الانتصاب في الأمر والنهوض فيه بالهمة فتقوموا لوجه الله خالصًا ثم تتفكروا في أمر محمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به أمان الاثنان فيتفكران، ويعرض كل منهما محصول فكره على صاحبه لينظرا فيه نظر متصادقين متناصفين لا يميل بهما اتباع الهوى وأما الفرد فيفكر في نفسه أيضًا بعدل ونصفة هل رأينا في هذا الرجل جنونًا قط أو جربنا عليه كذبًا قط وقد علمتم أن محمدًا صلى الله عليه وسلم ما به من جنة بل قد علمتم أنه من أرجح قريش عقلًا وأوزنهم حلمًا وأحدهم ذهنًا وأرصنهم رأيًا وأصدقهم قولًا وأزكاهم نفسًا، وأجمعهم لما يحمد عليه الرجال ويمدحونه به وإذا علمتم ذلك كفاكم أن تطالبوه بآية وإذا جاء بها تبين أنه نبي نذير مبين صادق فيما جاء به وقيل: تم الكلام عند قوله: تتفكروا أي في السموات والأرض فتعلموا أنه خالقها واحد لا شريك له ثم ابتدأ فقال ما بصاحبكم من جنة {إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد قل ما سألتكم} أي على تبليغ الرسالة {من أجر} أي جعل {فهل لكم} أي لم أسألكم شيئًا {إن أجري} أي ثوابي {إلا على الله وهو على كل شيء شهيد قل إن ربي يقذف بالحق} أي يأتي بالوحي من السماء فيقذفه إلى الأنبياء {علام الغيوب} أي خفيات الأمور {قل جاء الحق} أي القرآن والإسلام {وما يبدىء الباطل وما يعيد} أي ذهب الباطل وزهق فلم تبق منه بقية تبدىء شيئًا أو تعيده وقيل الباطل هو إبليس والمعنى لا يخلق إبليس أحدًا ابتداء ولا يبعثه إذا مات وقيل الباطل الأصنام.
{قل إن ضللت فإنما أضل على نفسي} وذلك أن كفار مكة كانوا يقولون له إنك قد ضللت حين تركت دين آبائك فقال الله تعالى قل إن ضللت فيما تزعمون أنتم فإنما أضل على نفسي أي إثم ضلالتى على نفسي {وإن اهتديت فبما يوحي إليَّ ربي} أي في القرآن والحكمة {إنه سميع قريب} قوله: {ولو ترى} أي يا محمد {إذ فزعوا} أي عند البعث أي حين يخرجون من قبورهم وقيل عند الموت {فلا فوت} أي لا يفوتوننا ولا نجاة لهم {وأخذوا من مكان قريب} قيل من تحت أقدامهم، وقيل أخذوا من بطن الأرض إلى ظهرها حيثما كانوا فإنهم من الله قريب لا يفوتونه، ولا يعجزونه وقيل: من مكان قريب يعني عذاب الدنيا وهو القتل يوم بدر وقيل: هو خسف بالبيداء ومعنى الآية ولو ترى إذ فزعوا لرأيت أمرًا تعتبر به {وقالوا آمنا به} أي حين عاينوا العذاب قيل هو عند اليأس وقيل هو عند البعث {وأنى لهم التناوش} أي التناول والمعنى كيف لهم تناول ما بعد عنهم وهو الإيمان والتوبة وقد كان قريبًا منهم في الدنيا فضيعوه وقال ابن عباس يسألون الرد إلى الدنيا فيقال وأنى لهم الرد إلى الدنيا {من مكان بعيد} أي من الآخرة إلى الدنيا {وقد كفروا به من قبل} أي القرآن وقيل بمحمد صلى الله عليه وسلم من قبل أن يعاينوا العذاب وأهوال القيامة {ويقذفون بالغيب من مكان بعيد} قيل هو الظن لأن علمه غاب عنهم والمكان البعيد بعدهم عن علم ما يقولون، والمعنى يرمون محمدًا صلى الله عليه وسلم بما لا يعلمون من حيث لا يعلمون وهو قولهم إنه شاعر ساحر كاهن لا علم له بذلك وقيل يرجمون بالظن يقولون لا بعث ولا جنة ولا نار {وحيل بينهم وبين ما يشتهون} أي الإيمان والتوبة والرجوع إلى الدنيا ونعيمها وزهرتها {كما فعل بأشياعهم} أي بنظرائهم ومن كان على مثل حالهم من الكفار {من قبل} أي لم تقبل منهم التوبة في وقت اليأس {إنهم كانوا في شك} أي من البعث ونزول العذاب بهم {مريب} أي موقع الريبة والتهمة، والله أعلم بمراده وأسرار كتابه. اهـ.

.قال ابن جزي:

{قُلْ مَن يَرْزُقُكُمْ}.
سؤال قصد به إقامة الحجة على المشركين {قُلِ الله} جواب عن السؤال بما لا يمكن المخالفة فيه، ولذلك جاء السؤال والجواب من جهة واحدة {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لعلى هُدًى أَوْ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ} هذه ملاطفة وتنزل في المجادلة إلى غاية الإنصاف كقولك: الله يعلم أن أحدنا على حق وأن الآخر على باطل، ولا تُعين بالتصريح أحدهما، ولكن تنبه الخصم على النظر حتى يعلم من هو على الحق ومن هو على الباطل، والمقصود من الآية أن المؤمنين على هدى، وأن الكفار على ضلال مبين.
{قُل لاَّ تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا} إخبار يقتضي مسالمة نسخت بالسيف.
{يَفْتَحُ بَيْنَنَا} أي يحكم، والفتاح الحاكم.
{قُلْ أَرُونِيَ الذين أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَاء} إقامة حجة على المشركين، والرؤية هنا رؤية قلب فشركاء مفعول ثالث، والمعنى أروني بالدليل والحجة من هم له شركاء عندكم، وكيف وجه الشركة، وقيل: هي رؤية بصر، وشركاء حال من المفعول في {أَلْحَقْتُمْ} كأنه قال: أين الذين تعبدون من دونه وفي قوله: {أَرُونِيَ} تحقير للشركاء وازدراء بهم، وتعجيز للمشركين، وفي قوله: {كَلاَّ} ردع لهم عن الإشراك، وفي وصف الله بالعزيز الحكيم: ردّ عليهم بأن شركاءهم ليسوا كذلك.
{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَآفَّةً لِّلنَّاسِ} المعنى أن الله أرسل محمدًا صلى الله عليه وسلم إلى جميع الناس، وهذه إحدى الخصال التي أعطاه الله دون سائر الأنبياء، وإعراب {كَآفَّةً} حال من الناس قدمت للاهتمام، هكذا قال ابن عطية، وقال الزمخشري: ذلك خطأ لأن تقدم حال المجرور عليه لا يجوز، وتقديره عنده: وما أرسلناك إلا رسالة عامة للناس، فكافة صفة للمصدر المحذوف، وقال الزجَّاج: المعنى أرسلناك جامعًا للناس في الإنذار، والتبشير، فجعله حالًا من الكاف، والتاء على هذا للمبالغة كالتاء في راوية وعلاّمة.
{قُل لَّكُم مِّيعَادُ يَوْمٍ} يعني يوم القيامة، أو نزول العذاب بهم في الدنيا، وهو الذي سألوا عنه على وجه الاستخفاف؛ فقالوا: {متى هذا الوعد}.
{بَلْ مَكْرُ اليل والنهار} المعنى أن المستضعفين قالوا للمستكبرين: بل مكركم بنا في الليل والنهار سبب كفرنا، وإعراب {مَكْرُ} مبتدأ وخبره محذوف، أو خبر ابتداء مضمر، وأضاف مكر إلى الليل والنهار على وجه الاتساع، ويحتمل أن يكون إضافة إلى المفعول أو إلى الفاعل على وجه المجاز: كقولهم: نهاره صيام وليله قيام أي يصام فيه ويقام، ودلت الإضافة على كثيرة المكر ودوامه بالليل والنهار، فإن قيل: لم أثبت الواو في قول {الذين استضعفوا} دون قول {لِلَّذِينَ استكبروا} فالجواب أنه قد تقدم كلام الذين استضفوا قبل ذلك فعطف عليه كلامهم الثاني، ولم يتقدم للذين استكبروا كلام آخر فيعطف عليه {وَأَسَرُّواْ الندامة} أي أخفوها في نفوسهم، وقيل: أظهروها فهو من الأضداد، والضمير لجميع المستضعفين والمستكبرين {مُتْرَفُوهَآ} يعني أهل الغنى والتنعيم في الدنيا، وهم الذين يبادرون إلى تكذيب الأنبياء، والقصد بالآية تسلية النبي صلى الله عليه وسلم على تكذيب أكابر قريش له.
{وَقَالُواْ نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلاَدًا} الضمير لقريش أو للمترفين المتقدمين: قاسوا أمر الدنيا على الآخرة، وظنوا أن الله كما أعطاهم الأموال والأولاد في الدنيا لا يعذبهم في الآخرة.
{قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرزق لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ} إخبار يتضمن الردّ عليهم بأن بسط الرزق وقبضه في الدنيا معلق بمشيئة الله، فقد يوسع الله على الكافر وعلى العاصي، ويضيق على المؤمن والمطيع، وبالعكس، فليس في ذلك دليل على أمر الآخرة.
{زلفى} مصدر بمعنى القرب كأنه قال: تقربكم قربى {إِلاَّ مَنْ آمَنَ} استثناء من المفعول في تقربكم، والمعنى أن الأموال لا تقرب إلا المؤمن الصالح الذي ينفقها في سبيل الله، وقيل الاستثناء منقطع، والأول أحسن {جَزَاء الضعف} يعني تضعيف الحسنات إلى عشر أمثالها فما فوق ذلك.
{يَبْسُطُ الرزق} الآية: كررت لاختلاف القصد، فإن القصد بالأول على الكفار والقصد هنا ترغيب المؤمنين بالإنفاق {فَهُوَ يُخْلِفُهُ} الخلف قد يكون بمال أو بالثواب.
{أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِمْ} براءة من أن يكون لهم رضا بعبادة المشركين لهم، وليس في ذلك نفي لعبادته لهم {بَلْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ الجن} عبادتهم للجن طاعتهم لهم في الكفر والعصيان، وقيل: كانوا يدخلون في جوف الأصنام فيعبدون بعبادتها، ويحتمل أن يكون قوم عبدوا الجن لقوله: {وَجَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَاء الجن} [الأنعام: 100].
{وَمَا آتَيْنَاهُمْ مِّنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا} الآية: في معناها وجهين: أحدهما ليس عندهم كتب تدل على صحة أقوالهم، ولا جاءهم نذير يشهد بما قالوه؛ فأقوالهم باطلة إذ لا حجة لهم عليها، فالقصد على هذا ردّ عليهم، والآخر: أنهم ليس عندهم كتب ولا جاءهم نذير فيهم محتاجون إلى من يعلمهم وينذرهم ولذلك بعث الله إليهم محمدًا صلى الله عليه وسلم، فالقصد على هذا إثبات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم.
{وَمَا بَلَغُواْ مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ} المعشار العشر، وقيل عشر العشر، والأول أصح، والضمير في بلغوا لكفار قريش، وفي آتيناهم للكتب المتقدمة: أي إن هؤلاء لم يبلغوا عشر ما أعطى الله للمتقدمين من القوة والأموال، وقيل: الضمير في بلغوا للمتقدمين، وفي آتيناهم لقريش: أي ما بلغ المتقدمون عشر ما أعطى الله هؤلاء من البراهين والأدلة، والأول أصح وهو نظير قوله: كانوا أشد منهم قوة {فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} أي إنكاري، يعني عقوبة الكفار المتقدمين، وفي ذلك تهديد لقريش.
{قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ} أي بقضية واحدة تقريبًا عليكم {أَن تَقُومُواْ لِلَّهِ} هذا تفسير القضية الواحدة وأن تقوموا بدل أو عطف بيان أو خبر ابتداء مضمر، ومعناه أن تقوموا للنظر في أمر محمد صلى الله عليه وسلم قيامًا خالصًا لله تعالى ليس فيه اتباع هوى ولا ميل، وليس المراد بالقيام هنا القيام على الرجلين؛ وإنما المراد القيام بالأمر والجدّ فيه {مثنى وفرادى} حال من الضمير في تقوموا، والمعنى أن تقوموا اثنين اثنين للمناظرة في الأمر وطلب التحقيق وتقوموا واحدًا واحدًا لإحضار الذهن واستجماع الفكرة، ثم تتفكروا في أمر محمد صلى الله عليه وسلم فتعلموا أن ما به من جنة، لأنه جاء بالحق الواضح، ومع ذلك فإن أقواله وأفعاله تدل على رجاحة عقله ومتانة علمه، وأنه بلغ في الحكمة مبلغًا عظيمًا، فيدل ذلك على أنه ليس بمجنون ولا مفتر على الله {مَا بِصَاحِبِكُمْ مِّن جِنَّةٍ} متصل بما قبله على الأصح: أي تتفكروا فتعلموا ما بصاحبكم من جنة، وقيل هو استئناف.
{قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّن أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ} هذا كما يقول الرجل لصاحبه: إن أعطيتني شيئًا فخذه، وهو يعلم أنه لم يعطه شيئًا، ولكنه يريد البراءة من عطائه، وكذلك معنى هذا، فهو كقولك: قل ما أسألكم عليه من أجر.
{قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بالحق} القذف الرمي ويستعار للإلقاء، فالمعنى يلقي الحق إلى أصفيائه، أو يرمي الباطل بالحق فيذهبه {عَلاَّمُ الغيوب} خبر ابتداء مضمر أو بدل من الضمير في {يَقْذِفُ} أو من اسم إن على الموضع.
{قُلْ جَاء الحق} يعني الإسلام {وَمَا يُبْدِىءُ الباطل وَمَا يُعِيدُ} الباطل الكفر، ونفى الإبداء والإعادة، على أنه لا يفعل شيئًا ولا يكون له ظهور أو عبارة عن ذهابه كقوله: {جَاء الحق وَزَهَقَ الباطل} [الإسراء: 81] وقيل: الباطل الشيطان {إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ} يعني قربه تعالى بعلمه وإحاطته.
{وَلَوْ ترى إِذْ فَزِعُواْ} جواب لو محذوف تقديره: لرأيت أمرًا عظيمًا، أو معنى {فَزِعُواْ} أسرعوا إلى الهروب، والفعل ماضي بمعنى الاستقبال، وكذلك ما بعده من الأفعال، ووقت الفزع البعث، وقيل: الموت، وقيل: يوم بدر {فَلاَ فَوْتَ} أي يفوتون الله إذ هربوا {وَأُخِذُواْ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ} يعني من الموقف إلى النار إذا بعثوا، أو من ظهر الأرض إلى بطنها إذا ماتوا، أو من أرض بدر إلى القليب، والمراد على كل قول سرعة أخذهم.
{وقالوا آمَنَّا بِهِ} أي قالوا ذلك عند أخذهم، والضمير المجرور لله تعالى أو للنبي صلى الله عليه وسلم، أو القرآن أو للإسلام {وأنى لَهُمُ التناوش مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ} التناوش بالواو التناول، إلا أن التناوش تناول قريب سهل لشيء قريب، وقرئ بهمز الواو فيحتمل أن يكون المعنى واحدًا، ويكون المهموز بمعنى الطلب، ومعنى الأية استبعاد وصولهم إلى مرادهم، والمكان البعيد: عبارة عن تعذر مقصودهم فإنهم يطلبون ما لا يكون، أو يريدون أن يتناولوا ما لا ينالون وهو رجوعهم إلى الدنيا أو انتفاعهم بالإيمان حينئذ.
{وَقَدْ كَفَرُواْ بِهِ} الضمير يعود على ما عاد عليه قولهم {آمَنَّا بِهِ} {وَيَقْذِفُونَ بالغيب مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ} يقذفون فعل ماض في المعنى معطوف على كفروا، ومعناه أنهم يرمون بظنونهم في الأمور المغيبة فيقولون: لا بعث ولا جنة ولا نار. ويقولون في الرسول عليه الصلاة والسلام: إنه ساحر أو شاعر. والمكان البعيد هنا عبارة عن بطلان ظنونهم وبعد أقوالهم عن الحق.
{وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ} أي حيل بينهم وبين دخول الجنة، وقيل: حيل بينهم وبين الانتفاع بالإيمان، حينئذ، وقيل حيل بينهم وبين نعيم الدنيا والرجوع إليها {كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِم مِّن قَبْلُ} يعني الكفار المتقدمين وجعلهم أشياعهم لاتفاقهم في مذاهبهم، و {مِّن قَبْلُ} يحتمل أن يتعلق بفعل، أو {بِأَشْيَاعِهِم} على حسب معنى ما قبله {فِي شَكٍّ مَّرِيبٍ} هو أقوى الشك واشده إضلامًا. اهـ.

.قال النسفي:

{قُلْ مَن يَرْزُقُكُمْ مّنَ السماوات والأرض قُلِ الله}.
أمره بأن يقررهم بقوله: {مَن يَرْزُقُكُم} ثم أمره بأن يتولى الإجابة والإقرار عنهم بقوله يرزقكم الله وذلك للإشعار بأنهم مقرون به بقلوبهم إلا أنهم ربما أبوا أن يتكلموا به لأنهم إن تفوهوا بأن الله رازقهم لزمهم أن يقال لهم فما لكم لا تعبدون من يرزقكم وتؤثرون عليه من لا يقدر على الرزق، وأمره أن يقول لهم بعد الإلزام والإلجام الذي إن لم يزد على إقرارهم بألسنتهم لم يتقاصر عنه {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لعلى هُدًى أَوْ في ضلال مُّبِينٍ} ومعناه وإن أحد الفريقين من الموحدين ومن المشركين لعلى أحد الأمرين من الهدى والضلال، وهذا من الكلام المنصف الذي كل من سمعه من موالٍ أو منافٍ قال لمن خوطب به: قد أنصفك صاحبك.
وفي درجة بعد تقدم ما قدم من التقرير دلالة غير خفية على من هو من الفريقين على الهدى ومن هو في الضلال المبين ولكن التعرض أوصل بالمجادل إلى الغرض، ونحوه قولك للكاذب إن أحدنا لكاذب.
وخولف بين حرفي الجر الداخلين على الهدى والضلال لأن صاحب الهدى كأنه مستعل على فرس جواد يركضه حيث شاء، والضال كأنه ينغمس في ظلام لا يرى أين يتوجه.
{قُل لاَّ تُسْئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلاَ نُسْئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ} هذا أدخل في الإنصاف من الأول حيث أسند الإجرام إلى المخاطبين وهو مزجور عنه محظور، والعمل إلى المخاطبين وهو مأمور به مشكور.
{قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا} يوم القيامة {ثُمَّ يَفْتَحُ} يحكم {بَيْنَنَا بالحق} بلا جور ولا ميل {وَهُوَ الفتاح} الحاكم {العليم} بالحكم {قُلْ أَرُونِىَ الذين أَلْحَقْتُمْ} أي ألحقتموهم {بِهِ} بالله {شُرَكَاء} في العبادة معه.
ومعنى قوله: {أَرُونِىَ} وكان يراهم أن يريهم الخطأ العظيم في إلحاق الشركاء بالله وأن يطلعهم على حالة الإشراك به {كَلاَّ} ردع وتنبيه أي ارتدعوا عن هذا القول وتنبهوا عن ضلالكم {بَلْ هُوَ الله العزيز} الغالب فلا يشاركه أحد وهو ضمير الشأن {الحكيم} في تدبيره {وَمَا أرسلناك إِلاَّ كَافَّةً لّلنَّاسِ} إلا إرسالة عامة لهم محيطة بهم لأنها إذا شملتهم فقد كفتّهم أن يخرج منها أحد منهم.
وقال الزجاج: معنى الكافة في اللغة الإحاطة، والمعنى أرسلناك جامعًا للناس في الإنذار والإبلاغ، فجعله حالًا من الكاف والتاء على هذا للمبالغة كتاء الراوية والعلاّمة {بَشِيرًا} بالفضل لمن أقر {وَنَذِيرًا} بالعدل لمن أصر {ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ} فيحملهم جهلهم على مخالفتك.